قميص الصوفي في الفناء ج ١

"قميص الصوفي في الفناء " ج ١

هل كان الفناء موجود قبل البقاء؟ ماذا كان يفعل الصوفي بقميصه في ساعة الفناء ! ليس كل ما يدور بالفناء هو فقط للتصوف، بل إن الفناء يفني العبد من الخلق حتى يجد نفسه تحت الحق.
قميص الصوفي لايزال ظاهراً و قادراً على تلبية رغبته ورهبته بالقلب في اتصالاً موجود في الوجود حتى يدرك ويقن تماماً كاملاً عن حقيقة البقاء بعد الفناء. فالذي يبدأ بالتصوف ليس فقط ظاهرياً بل إنه باطنياً عبر القلب والروح والنفس. هذة الكلفة ليست صعبة على كل إنسان موجود في وجوده المحق، لأن طالما هو يمثل طاقاته  الجوهرية والحيوية والمعنوية والمادية سيصل إلى تحقيق المعارف والكواشف عبر حلول وشهود وحضور الروح في خلوة الفناء عند صفوة البقاء. فما هو الفناء عند الصوفية ؟
يعد أبو يزيد البسطامي أول من استخدم كلمة الفناء بمعناها الصوفي ، التي تعني فناء النفس الذاتية في الوجود الكلي " الله "، فهو أول من وضع لمذهب الفناء في التصوف الإسلامي.  فالفناء الذي يدعوا إليه البسطامي من خلال شطحاته " سبحاني ما أعظم شأني ، ومافي الجنة  إلا الله ، وإني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني ". وهذا الفناء عن النفس والتجرد عن الحس والوعي فلا يغدو العبد يحس بشيء ، وهنا فقد يشعر بالوجود الرباني مفنياً فيه ذاته ممهداً للبقاء في الله .
إن تجربة هي وسيلة حرة عند الإنسان، وهذة ليست مكلفة بالشدة . فالتجربة مبرهنة عن حقيقة النتيجة التي وصل إليها الإنسان مابين الايمان والبيان، فذلك يكون المبدأ الأساسي عند كل تجربة للإنسان مع الحياة هو أن يكشف موجوده وجوده بين الحق والخلق حتى لا يكون مجهول في وحدة الوجود. والفناء على اطلاقه الثابت والموجود في خلوة وعزلة يطلب للإنسان بالمعرفة والحكمة عبر قميص التصوف ، لكي يأخذ الاعتبار والاقرار من تجربة الفناء في البقاء . 
إن معرفة الصوفي لله تعالى تعتبر ضرباً من ضروب الفناء، ولهذا فمن عرف الله فنى فيه عن نفسه. وهنا تبدو أن إرادة العبد قد تركت إلى إرادة الله فيصبح الله هو المريد في الحقيقة فلا إرادة للعبد في فنائه في الله. 
فسلوك الصوفي هو طريق ومسلك روحي  ميتافيزيقي وبستمولوجي وفيسولوجي متعمداً على القلب ومتجيلاً من ذكر الله وإرجاع كل شيء إلى إرادته.
وحرية الصوفي فهي حرية التحرر من الشهوات والمخلوقات وتطهير النفس في كل ما يلحق بها من أهواء، حتى يسمو الصوفي إلى الله الخير الأسمى. فحرية الصوفي هي إعراضه عن كل ما سوى الله وجوده والاقبال على الله بالكلية، واما الإرادة فهي أساس الوجود ومعرفة الله بها يثبت وجوده وبها يعرف الله ويتصل به ويفنى فيه " هي نقطة البدء ونقطة النهاية، لا يبدأ المريد إلا بها ولا يمكن أن يصل بدونها ".
إذا اخذ الانسان قميص التصوف باليقين فإنه موجود بالحق في وجود الحق، لا يمكن أن يرأب معرفة الحقيقة في مكاشفة الفناء بعد البقاء. لأنه كان بالفطرة في تحت اختبار اليقين الذي يأخذه بالأتحاد الله في كل شيء واجباً وماكناً عليه . 
فالأتحاد بالله يتم عن طريق الفناء عن النفس، والتجرد عن الحس، بحيث يكون الإنسان في الحالة التي كان عليها قبل وجوده الدينوي وقت أن كان في عالم الذر، وهذا الاتحاد بالله الذي يدعو إليه ابو يزيد البسطامي اتحاد كامل وإلا انتفى معنى الاتحاد . فالمباشرة والحضور والشهود بين الله والإنسان عنز البسطامي تحدث بلا وسيط وإذا الاتحاد كان بطريق مباشر هو طريق الفناء ، وفناء البسطامي هو فناء شهود السوى.
معرفة التصوف واسعة و مكشوفة بين الإيمان والبيان في الحق والخلق، ذلك بأن المعرفة أصلها محبة وقوية الجذب لا يستهان بها في أي شيء كان. والإنسان على بصيرته الحسية والجسدية بالظاهر والباطن مسير في كل ما أتى إلى طريق الفناء من قميص التصوف. فالأمر المطلوب وليس بالصعوبة في تحديد طريق الفناء بل إنه حب البقاء عبر الحضور والشهود، المشاهدة والمباشرة، الاتحاد والإيجاد،المكاشفة والمعرفة، إلى أن يحقق إرادته التي تكلف بها بالحق والخلق. 

ع. الجبر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفلسفة الرومانسية

الغرور بين الحق والباطل

أنبياء الفلسفة