قميص التصوف في الفناء ٤

قميص التصوف في الفناء ج ٤

من الاتحاد المخلوق في هذا العالم البشري والكوني يكون الحق بتكوين الحقيقي في رؤية معرفية بالإيمان الوجودي، الذي يبقى دائماً بين الحق والخلق لكي يكون الاتحاد بالله هو محقق ذاتية الموجود و وحدة الوجود .
فالاتحاد والحلول هو معرفة الخالصة الهادفة من حب الحق إلى أن يستولى الوجود في كل شيء كان موجود بالعالم والكون، اما العبد تحت نزول الناسوت الإلهي هو مستمد بالجوانب الإنسانية والدينية في تطبيق الذوات الإلهية على امتزاج الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية من خلال الاتحاد والحلول.
لقد سعى  الصوفي حسين بن منصور الحلاج إلى معرفة الله هادفاً من ورائه إلى الاتحاد به الذي اعتبره غاية الكائنات جميعاً وليس غاية الصوفي وحده فقط واتحاده بالله يتحقق بحبه ووجده بالله ، هذا الحب والوجد الذي استولى على قلبه حتى جعله يجري على لسانه من الأقوال الجرئية التي كانت سبباً إلى جانب أسباب أخرى إلى نهاية حياته المأساوية . فمن أقواله : " أنا الحق " حيث قالها وهو تحت تأثير حبه لله، وهنا فإن الله هو الذي تكلم بلسان الحلاج الذي فنيت نفسه في الله.
اللاهوت والناسوت علاقتان في شأن واحد هو الحق بالحق عند الروح والنفس والجسد، حيث إن الحقيقة لازالت تخفي الكثير من صور أسماء الله الحسنى، لأن المعرفة إلى وراء اللاهوت والناسوت مطلقة عميقة بالمدى العالمي الكوني عند قلب العبد المتصوف، فالتالي إن الحلاج كان له مفهوم ومذهب في كيف يحدد اللاهوتية والناسوتية في الذات الإلهية، حيث ميزّ بينهما الحكم يوم القيامة عند الناس بصورة الناسوتية أو الإنسانية، وهذا يدل على أن تعالى كان قبل إيجاد الخلق ظاهراً لأول مرة في صورة الإنسان في الحديث 
" خلق الله آدم على صورته " فكان كل إنسان يمثل أو يصور صورة الله .
إن لفظ كلمة آدم جديد لمعنى قديم وظاهر محدث، لباطن أزلي متكثر متعدد حيث يقول الله في الحديث القدسي : "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق فيه عرفوني "
ثم شاء الله أن يرى حبه جعله الله على صورته ظاهرة، فكان آدم  صورة في نفس الله لها كل صفاته وأسمائه جعله الله على صورته أبد الدهر.
فمتى يكون الإنسان الآدمي ذو صورة خلق العظيم ؟ هو أن يعرف أسماء الله الحسنى بين المعرفة والحكمة حتى يصل كل صورة باليقين التام و لكي يأخذ الصفة والسمة من ذات الإلهية المحكمة بالحق والخلق. 
ولقد جعل الحلاج من الفناء ثمرة من ثمار الاتحاد أو تمثلاً للاتحاد عند الحلاج، والمحبة هي طريقة الفناء حيث العشق أو المحبة صفة قديمة للذات الإلهية وهي التي تعكس العلاقة بين الخالق والمخلوق. 
يعتبر الحلاج أول من وضع نظرية النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية في الوسط الصوفي، وهو يرى أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم له حقيقتان :
الحقيقة الأولى قديمة والمتمثلة في النور الأزلي الذي كان قبل تكون الأكوان حيث يستمد من هذا النور كل علم وعرفان. ومن هذة الحقيقة أو النور الأزلي القديم أستمد كل الأنبياء السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الأولياء اللاحقين له. اما الحقيقة الأخرى فهي حقيقة حادثة تتمثل في اعتباره صلى الله عليه وسلم كائناً محدثاً تم في صورته نبياً مرسلاً وجد في زمانه ومكان معين.
ويحاول الحلاج عن الحقيقتين بالفصل المطلق باعتبار أن نور رسول الله صلى الله عليه وسلم أزلي وأول نور من أنوار المجلي لله تعالى، و حقيقة المحمدية هي متمثلة في الكون محمد صلى الله عليه وسلم الصورة الكاملة التي خلقها الله وجعلها خاتم الأنبياء وأول خلق الله أجمعين. وذلك ما يستمد به لصورة المحمدية هي معينة في العالم الخارجي عالم الوجود في زمان ومكان من نوره الأزلي وهو بهذا الاعتبار أمام الناس على الأرض ونذير لهم.
إن الحكمة من نور المحمدي او حقيقة المحمدية هي لتوحيد الأديان عن طريق محبة الإلهية التي نرت بنور وصورة المحمدية الأزلية وهي أول نور و صورة وحقيقة من الخالق الباري، وذلك بأن توحيد هو غاية الأديان لله تعالى بأصل والمنبع وبغض النظر عن اختلاف وأسماء الأديان ، فليس في الأصل للغاية المطلوبة من الشعائر والفرائض ، ماهي إلا وسائط تؤدي إلى الحقيقة الإلهية ، لهذالا خير من تجاوزها. فلقد قال الحلاج في وحدة الأديان :
" واعلم أن اليهودية والنصرانية والإسلام وغير ذلك من تلك الأديان هي ألقاب مختلفة وأسماء متغيرة ، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف. " 
فذلك إن التوحيد هو للجميع الأديان في اتجاه الحقيقة الواحدة وهي الله تعالى في الموجود والوجود، ليس معدود و محدود في أي دين كان . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفلسفة الرومانسية

الغرور بين الحق والباطل

أنبياء الفلسفة