حب الإنسان

'' حب الإنسان ''
إن حقيقة الحب الذي نزل على الإنسان بالبيان المحق هي علاقة موصولة بين المحب والمحبوب، ويكون الإنسان كائن محب اتجاه المحبوب حيث إن الوصل من بدايته يُجسد ويمثل ويصور طرق الحب التي تأخذ الإنسان إلى الجمال والإجلال حتى يبلغ منهم قيم السعادة الفضيلة. فالحب عند الإنسان مجسد بذاته الوجودي، ويرتقي به للنمط الحيوي الفعال، ويكشف حقائق ماهية الحب بالعالم الكوني. وحيث إن ذلك يستطيع الإنسان في تقين بشيء له مقابل مكتسب سواء كان مادي او معنوي تحت مسميات ومواهب الطبيعية، والتي خلقت ووهبت بالحب إلى أن تكشف وتفتح وصالات مرتبطة بالحياة الأبدية بين الدنيا والآخرة. فعن الذي يحب الحب بالأشياء الحقيقية المبينة هو إتقان كل العلوم والأحكام المطلقة، وإيجاز ذوات المعنية من الأقوال والأفعال التي يعيشها الإنسان بين الإيمان والبيان. فذلك عن إيتاءه بالعلم والعمل به يكون من أسس الحياتية والدينية والدينوية، لكي يكون الإنسان محب بالذات و محدد طريقه ووصاله إلى المحبوب بكيف يستقر معه عند تكاليف الحب. فالحب متعدد أسماء و مغرضٍ بالغايات المطلقة، يختاره الإنسان لنفسه او إلى أجله الموعود، لا سيما المحبوب وهو الواحد الأبدي الذي سكن في فناء قلب المحب. فلقد صوّر الشيخ الصوفي ابن عربي عن مفهوم الحب بين المحب والمحبوب هو يجسد الوصل في حب عبودية الإنسان، والارتقاء نحو الحياة، والأستواء في خط الحب الأبدي حتى يسير المحب بالاستقامة المبينة من نور الحب. فأما الحب في العبودية يكون كحب المرأة المعبر إلى حب الله تعالى، والذي يكشف الذات عن الموجود والوجود، بالتالي  الحب هو خلق عظيم مكون من رحمة الإلهية التي نزلت من الخالق الباري لكي يجعل العالم تحت الرحمة بواسط حب الله تعالى. وبهذا الحب الإلهي جعل الإنسان أول كائن بشري طيني محب إلى الله تعالى، لكي يظهر أسماؤه وتجلياته وعلومه وأحكامه وقوته وتكوينه و صورهِ الظاهرة والباطنة. بذلك تكون علامات الخلق من الحق الخالق هي مسخرة بالحب والرحمة في آن واحد، ومجليةً في العالم مع الإنسان، لأن الحب او الرحمة سبب الخلق وعلة وجود العالم، ظهر الجمال والكمال، ونزلت الآيات، لكي يكون الإنسان مصور وكاشف ويعرف بالاستمرار والاستقرار، ما دام هو تحت الحب الإلهي.
فعن العالم عند الإنسان بكيف يكون حال الحب، هو أن الحب خلق، والخلق حب، والحركة  في كل مظاهرها وبواطنها مبعثة بالحب، واللذي يكون فيه الحركة مفتوحة مطلقة إلى المعارف والاكتشاف إلى أن يصل المحب إلى الجمال والإجلال. فالعالم عند ابن عربي هو عين جمال الله وجسد الموصوف بالجمال عبر سعة ومدركة وحب المحب في العالم، كي يصل المحب إلى حقيقة الوجود الإلهي بالحب الجمال. فذلك يكون المحب دائماً تحت المحبوب سامعاً مطيعاً، وحسياً حدسياً، مادياً ومعنوياً، عابداً و قاصداً، بذلك يصبح دائماً متشوق إلى الخالق الذي خلق له الحب للجمال والإبداع والتجلي به. فكلما اقترب المحب إلى المحبوب وَجد المعرفة من جميع أبوابها إلى أن يحقق حكمة الحب الإلهي المقدس.
فمقياس الحب هو جوهري لا يعدو الذات الإلهي، لكن الناس ضلوا السبيل في حبهم الأشياء آخرى محددة، وذلك يكون الحب في غاياتهم بالسعادة الصغرى وهي التي تنتهي بالملل والضيق وعدم الاشباع في شهواتهم ورغباتهم سواء كانت غريزية اللامبالاة او محدودة الغايات ذات المادية والمعنوية. وبذلك إن جوهرة الحب لها من الصفاء والنقاء تدخل في كيان الإنسان، يحصل منها نعمة الحب بين الخالق والخلق من ما يقدم به الإنسان بالمعرفة والحكمة والإيمان والبيان والأخلاق الفضيلة.
رحم الله الشيخ الفيلسوف ابي عربي الذي تروع بالروعة هذة العبارات، مرشحٍ بالحب الإلهي الروحي، ومغزلٍ بالتصوف. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفلسفة الرومانسية

الغرور بين الحق والباطل

أنبياء الفلسفة