رسالة : الحياة في الفناء

رسالة : الحياة في الفناء

من بداية الحياة التي تحرك صور المجلية عند القلب والروح والجسد، سيكون الإنسان في عالمه يرى الحياة بقلبه، و يطير بروحه، ويتحرك بجسده. وذلك بأن حب الإنسان في الحياة هو من كأس قلبه الذي يسقي بكلماته ومعارفه وذوقه وعلمه  في الفناء، حتى يبقى بصورة المقبولة بكل شيئاً وجدَ به وأوجد له. واما في روحه سيلقى صور الجليلة العظيمة، التي صورت في الفناء عبر الحب الموصوف بالذات الإلهية و وحدة الوجودية، إلى أن يظهر ويطير بروحه للكون والعالم. وذلك دائماً من هذا الفعل  لقد وصف نفسه بالحب نفسه بالتغير الدائم ، والشأن المتغير هو وجه الحب، حتى يكون حضور الروح فعالاً دائماً للعالم والكون والفناء، مليئاً به بالحيوية و ملتوناً ومجدداً وجميلاً. كما قال ابن عربي '' فلا شيء أجمل من العالم وهو جميل الجمال محبوب لذاته، فالعالم كله محب لله، وجمال صنعه سار في خلقه والعالم مظاهره''.
والحياة مدركة في المخلوقات عن صفة الحياة على نحو جليّ، كما تظهر في الإنسان مثلاً. فأن التجلي في الحياة والفناء، قائماً ومصوراً بوحدة الدائمة، ما دام الحق سارياً بفاعليته في الأشياء، والأشياء لاتموت، بل إنما هي تتجلى في صور آخرى باستمرار في الخلق والحق. وهذة الأشياء لا يدركها الإنسان بالحواس المعرضة للخطأ ولا بعقله المقيد، بل يدركها بقلبه المتقلب، بحسب حركة الحب التي هي مبدأ الوجود في الحياة والفناء.
فعندما يميت الإنسان حواسه وعقله، تبقى روحه بالفناء في الحق، وهذا مقام الموت الذي يتحرر فيه الروح من مصادر الخطأ والوهم '' الجسد والحواس والعقل''. فذلك للإنسان سيرى الحق سارياً بصفة الحياة في كل فناء، وسيدرك حينها بقاءه في فناءه، إلى أن  تكون جوهرة الحياة بالحب في المعرفة والكشف في العلم واليقين في علوم الجلية '' عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين''.
فالحياة هي هذا الظهور الآني الذي لا يُحصى، ومتى تخلص الإنسان من الذي يُحصى '' الحواس والجسد والعقل''، تمكن من مشاهدة ما لا يُحصى، ويحدث ذلك ليس بموته بل بفنائه فناءً صوفياً.

ع. الجبر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفلسفة الرومانسية

الغرور بين الحق والباطل

أنبياء الفلسفة